عادل سالم في لقائه مع الفجر الجزائرية
الشعب الفلسطيني أول من تأثر بالمقاومة الجزائرية والأدب الجزائري المقاوم
انطلاق ديوان العرب عام ١٩٩٨ لتصلح ما أفسدته السياسة
الاحد ٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
أجرت صحيفة الفجر الجزائرية قبل أسبوعين لقاء مع مدير تحرير ديوان العرب السيد عادل سالم ننشره هنا لقرائنا نقلا عنها .
يعد الأستاذ عادل سالم من الكتاب المنفتحين بأفكارهم، يتقبل الرأي والرأي الآخر. قضى شطرا من حياته بالقدس بين السجن والإقامة الجبرية، وهاجر بعدها إلى أمريكا فكان صوتا آخر حاملا هموم الشعب الفلسطيني. من إصداراته ديواني شعر: الأول بعنوان "عاشق الأرض" والثاني نداء من ورا ء القضبان" لم يكتف بكتابة الشعر بل كتب القصة القصيرة فصدرت له مجموعة أولى بعنوان "لعيون الكرت الأخضر" ومجموعتان تحت الطبع. ساهم في إنشاء عدة مواقع عربية وهو الآن مدير تحرير مجلة ديوان العرب الإلكترونية. في هذا الحوار يبوح لقراء "الفجر" ببعض أفكاره
س1 : بين تجربة السجن والإقامة الجبرية في القدس وتجربة الحرية التي تعيشها في الولايات المتحدة الأمريكية، كيف يقيم الأستاذ عادل سالم هذه المسافة المقتطعة من العمر ؟
دعني في البداية أوضح أن الكاتب وتحديدا الأديب، والشاعر، لا يحتاج فقط إلى هامش من الحرية لكي يخط إبداعاته، بل يحتاج لما هو أهم من ذلك كله، يحتاج إلى أن يكون بين الناس الذين يكتب لهم وعنهم، ويستمد منهم ثقافته، وتجاربه، وانتماءه الحضاري، وهو غير متوفر في أمريكا، فنحن نعيش في مجتمع بينما ثقافتنا كلها لمجتمع آخر.
أضف لذلك فالحياة هنا في الولايات المتحدة لا يمكن اعتبارها نموذجا للحرية بمفهومها الشامل، لأن أمريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 أصبحت بلد القمع والإرهاب الفكري حقيقة.
أقولها للأمانة وللتاريخ إن قرار الهجرة إلى الولايات المتحدة كان خاطئا، ودفعت ثمنه الكثير، نعم أعيش في أمريكا، لكن الوطن يعيش في داخلي أينما ذهبت. لعل أنيسي الوحيد الذي يخفف عني أحيانا ذاكرتي القوية التي أستطيع بها أن أستعيد زمنا كاملا مضى، ألتقي فيه بأحبة بعضهم رحل وآخرون لا أعلم أين هم الآن، أعانقهم ويعانقوني قبل أن أودعهم من جديد.
س2 : إلى أي مدى يمكن أن يساهم الأدب والفكر في ترسيخ فكرة التحرر ومقاومة الاحتلال ؟
للأدب والفنون دور بارز جدا ومؤثر في مقاومة الاحتلال، حيث كان يساعد في تنظيم الناس وتحريضهم ضد الاحتلال البغيض. ولهذا كانت السلطات الصهيونية تعتقل شعراءنا المقاومين، وتلاحقهم لتمنعهم من الكتابة مثل الشعراء، توفيق زياد، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وراشد حسين، وكذلك الرعيل الأول مثل إبراهيم طوقان، وأبو سلمى، وعلي هاشم رشيد، وغيرهم كثيرون.
نحن في فلسطين كنا أول المتأثرين بالأدب الجزائري المقاوم، وقرأنا بشراهة رواية اللاز للطاهر وطار، وكانت المكتبات تمتلئ بالكثير من كتب الأدب العالمي المقاوم مثل أشعار نيرودا، والشاعر المصري الشعبي أحمد فؤاد نجم، والمقاومة السوفييتية ضد النازية.
الأدب المقاوم هو جزء من المعركة، كما هو الإعلام المقاوم، والفن المقاوم، والكاريكاتير، …إلخ، والمقاومة نفسها.
س3 : ديوان العرب الذي تشرفون عليه يستقطب كثيرا من الكتاب والقراء من مختلف الدول العربية ، إلى ماذا ترجعون هذا النجاح ؟
ديوان العرب بدأ عمليا عام 1998 كان هدفنا منذ البداية إيجاد تجمع أدبي ثقافي، فكري، عربي، ذي مضمون إنساني، ديمقراطي يتقبل الآراء المتنوعة، ويكون ساحة لجميع الأفكار، والآراء في كل الدول العربية، لأن واقع الحال كان يقول إن السياسة تفرق العرب لكن الثقافة توحدهم، وهذا كان أول هدف لنا منذ البداية. عملنا بجهود كتاب ومثقفين متنورين، مستقلين، متطوعين، وتغلبنا على الكثير من الصعوبات التي واجهتنا، واستطعنا أن نبني شبكة علاقات واسعة من كتاب عرب في عشرين دولة عربية من أصل 22 دولة. كنا مستقلين اقتصاديا، فساهم ذلك في استقلال قرارنا، ولم يفرض أحد علينا شروطه، أو مطالبه. أهم أسباب انتشارنا هو صدقنا وحرصنا على النهوض بالثقافة العربية بعيدا عن الحساسيات السياسية، والفئوية الحزبية.
لا بد من التنويه أن نجاح ديوان العرب ليس ثمرة جهد فردي، بقدر ما هو ثمرة جهد جماعي، لأسرة التحرير، والمجلس الاستشاري، ومراسلي ديوان العرب، وكتابنا المخلصين. وأمام كل هؤلاء الذي يعمل بصمت بعيدا عن الأضواء الدكتور جورج قندلفت المشرف الفني لديوان العرب. لنا طموحات كثيرة أبعد من مجرد أن تكون ديوان العرب مجلة أدبية فقط، ونحن واثقون من تحقيق الهدف، والنجاح في مسعانا.
س4 : كيف تقيمون تجربتكم في الإعلام الإلكتروني ؟
تجربة غنية وواسعة، فكما أشرت سابقا كانت انطلاقتنا في ديوان العرب في تموز 1998 عندما كانت المواقع العربية قليلة، وتوسعنا بخطى واثقة ومدروسة. الإعلام الألكتروني العربي لا زال في بداية الطريق، وبعض الكتاب الشباب في النت يعتقدون خطأ أن الإنترنت أصبحت بديلا للمنشورات الورقية، غير صحيح بتاتا، فلا زال انتشار الإنترنت في الدول العربية ضعيف جدا جدا إما لضعف انتشار الإنترنت في الوطن العربي، أو لكلفته الباهظة. في الولايات المتحدة يوجد أكثر من سبعين مليون مشترك، وفي الدول العربية كلها حوالي خمسة ملايين فقط مع أن عدد سكان الدول العربية أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة بقليل. المشكلة في الإنترنت ليست في إيجاد مواقع للنشر، فهذه أصبحت سهلة، لكن الذي يغفل عنه الكثيرون هو مقدرة الموقع على استقطاب القراء، أقول القراء العاديين وليس المثقفين فقط، لأن الكاتب يريد الوصول بإبداعه للناس، للجماهير التي يكتب عنها ولها. من المهم جدا أن يؤثر الموقع في قرائه ولا يجلبهم فقط للتسلية، وأن يشجع الكتاب الناشئين ويوجههم ويقدم لهم النصح، وتوجيههم للأفضل، فكثيرة تلك المقالات التي يرسلها أصحابها بدون تنقيح، وبلغة ركيكة وأخطاء قواعدية كثيرة.
بعض كتاب الإنترنت يريد احتلال مكان نجيب محفوظ دون أن يكلف نفسه بتنقيح المادة التي ما إن ينتهي من كتابتها حتى يرسلها للمواقع لتنشرها له.
نحن من جانبنا ننصح دائما كتابنا الشباب ونوجههم لما يساعدهم في تطوير كتاباتهم، نستشير أعضاء المجلس الاستشاري في بعض النصوص قبل نشرها وأحيانا نقترح على الكاتب تصويب بعض الأخطاء، أو الأفكار. معظمهم يرحب بذلك لكن بعضهم القليل لم يتعود على الاستماع لكلمات النقد، وتربوا على سماع كلمات الثناء فقط، وهؤلاء لن يعمروا كثيرا.
س5 : من إصدار ديوانين شعريين إلى إصدار مجموعة قصصية بعنوان لعيون الكرت الأخضر ً هل هي مراحل للبحث عن الوجه الحقيقي للكاتب والذي سيرسو عنده ؟ أم أن هذا التنوع في الأجناس الأدبية يدل على قدرات هائلة لدى الأستاذ ؟
بالنسبة للكتابة القصصية فقد بدأت أمارسها منذ عامين تقريبا بتشجيع من الأديب السوري الدكتور أحمد زياد محبك عضو المجلس الاستشاري لديوان العرب ومدرس الأدب العربي الحديث في جامعة حلب، حين كان يقرأ المقالات التي أكتبها، وبالفعل دخلت عالم القصة بتوجيه منه وعندي الآن مجموعتان جاهزتان للنشر خلال العام القادم إن شاء الله، وثالثة في الطريق. مشكلتي الأساسية التي أعاني منها هي الوقت، لكنني سأتغلب على كل ذلك.
مارست في الماضي لسنوات طويلة من حياتي كتابة المقالات السياسية على حساب الأدب، ربما لطبيعة القضية الفلسطينية، ولكني منذ عام تقريبا قررت التوقف عن ذلك والتفرغ نهائيا للأدب. لدي طموحات كبيرة، ولكني مهما كتبت سأظل أعتبر نفسي في بداية الطريق، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، سأظل أبحر في أكثر من مجال أدبي حتى أصل شاطئ أحدهم فأرسو عليه.
س6 : شهدت الساحة الأدبية رحيل عملاق كبير في الأدب وهو نجيب محفوظ ، كيف تلقيتم هذا النبأ ؟ وهل تعتبرونه آخر العمالقة أم أن الساحة الأدبية العربية غير عقيمة من أن تنجب عملاقا آخر ؟
الأديب العربي المصري الكبير نجيب محفوظ توقف عمليا عن الكتابة والإبداع منذ سنوات قبل رحيله بسبب كبر سنه، وليس فقط بعد وفاته. توقفه عن الإبداع وليس فقط وفاته كانت خسارة لكل أمتنا وكل محبي الثقافة والأدب، لقد نعيناه في ديوان العرب وأفردنا مساحة واسعة من الكتابات النقدية عن أهم كتبه، فقد كان بلا شك أديبا كبيرا، شكلت إبداعاته ثروة فكرية وأدبية للمكتبة العربية.
لا أعتبر نجيب محفوظ آخر العمالقة، فأمتنا التي أنجبته وتعتز به أنجبت قبله المتنبي، وطه حسين وأحمد شوقي، وأنجبت الماغوط، وممدوح عدوان، والجواهري، وإدوارد سعيد وغيرهم الكثير، وأنا واثق أن جيل الشباب الجديد سوف يرفد الساحة الثقافية بمبدعين يستحقون أن يكونوا أحفادا حقيقيين لمبدعنا الكبير نجيب محفوظ.
س7 : تزخر الساحة الأدبية الجزائرية بالعديد من الأسماء ، هل قرأتم لبعضها ؟
بالتأكيد، قرأت لبعضهم، وأنا حريص باستمرار أن أنوع قراءاتي لكتاب من مختلف الدول العربية، لأكون في صورة أمة توحدها الثقافة، قرأت للطاهر وطار، وأحلام مستغانمي، وآسيا جبار، واحميدة العياشي، وياسمينة صالح وآخرون، لكني أعترف أنني تأثرت كثيرا برواية الطاهر وطار اللاز التي قرأتها على ما أذكر عام 1978 وقد قرأتها أكثر من مرة. وكنت أردد مع بطل الرواية الحقيقي : ما يبقى في الوادي غير حجاره. كنا نعتبر الجزائر مثالا وقدوة، في المقاومة والأدب.
س8 : عايشتم حرب 67 وحرب 73 من داخل القدس ، وعايشتم الحرب السادسة على لبنان من أمريكا ، هل كان الشعور نفسه أم أن البعد عن مكان الحرب يقلل من الإحساس بالمقاومة ؟
نعم هناك فرق كبير، بداية كنا أكثر قلقا في أمريكا، لأننا لم نستطع أن نقدم إلا القليل بكلمة هنا أو قصيدة هناك، فبعد أحداث الحادي عشر من أيلول أصبحت السلطات الأمنية هنا تضيق الخناق على التحركات والتظاهرات التي تتضامن مع الشعوب العربية، ألم أقل لك أن الحرية المزعومة في أمريكا مجرد شعار لا أكثر.
س9 : العودة إلى الوطن ، هل هو حلم يراود الكاتب أم هو فكرة يعمل على التأسيس لها ؟
بالنسبة لي نعم أنا أحلم بالعودة منذ سنوات، لكن العودة لنا كفلسطينيين تختلف عن أي عربي آخر، أغلب الشعب الفلسطيني ممنوع من العودة، وعندما يعود أحدهم لإحدى الدول العربية، لأنها الأقرب إلى الوطن وجزء منه نمنع ونطارد، وأحيانا يسمحون لنا البقاء كسياح، وأجانب يحملون جوازات سفر أمريكية، أو أوروبية، وليس باعتبارنا جزء من وطن وثقافة، وحضارة.
س10 : العولمة والحداثة مفهومان يطفوان على السطح . كيف ينظر إليهما الأستاذ سالم ككاتب وإعلامي ؟
بداية دعني أميز بين العولمة، وبين الحداثة،
فالعولمة في مفهوم من اخترعها وبدأ يروج لها (أمريكا) محاولة أمريكية للهيمنة على العالم بطرق مختلفة، فكرية، ثقافية الخ ، أمريكا تحاول أن تتسلل إلى غرفنا من خلال الفضائيات والسينما والإنترنت بعدما فشلت بطرق أخرى، تحت مسميات العولمة، تريدنا أن نفتح لها أبوابنا لبضاعتها الثقافية، والفكرية، لتهيمن على أجيالنا القادمة
، أما الحداثة فهذه يختلف عليها المثقفون ولا يوجد تعريف واضح متفق عليه للحداثة، بعض الكتاب وخصوصا في المغرب العربي يربطون الحداثة بما يطرح في الساحة الأدبية والفكرية الأوروبية، يحاولون فرضه على واقعنا بالقوة، نحن مع الحداثة التي تخرج من رحم مجتمعاتنا وحضارتنا وثقافتنا، مطلوب من مثقفينا أن لا يرهنوا تجاربهم ومطالعاتهم فقط بالأدب الأوروبي، مثل الفرنسي والبريطاني، علينا التعرف أكثر على ثقافات وآداب الشعوب الأخرى في أفريقيا، وشرق أسيا، وأمريكا اللاتينية، لنستطيع أن نزاوج بين الحضارات والثقافات عبر لغة جميلة تحتاج من يعرف كيف يعزف على حروفها.
س11هل من كلمة أخيرة للشعب الجزائري ؟
كما كان الشعب الجزائري نموذجا لنا في كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي، لنا ثقة في أن ينهض من أعبائه وهمومه ليستكمل بناء الجزائر، ويكون لنا مثالا آخر في البناء والتقدم والتطور. إن أمة تريد أن تكون السباقة في العلم والثقافة عليها أن تعرف كيف تكتب وتتألم وتغني، وتتعلم بلغتها لا بلغة عدوها. اليهود الصهاينة استطاعوا أن يحيوا لغة ميتة، وجعلوها لغة رسمية في مؤسساتهم وجامعاتهم، وبنوكهم، وفي كل شوارعهم. وترجموا علوم العالم إلى لغتهم. فكيف لا نستطيع أن نتغلب عليهم؟!